بسم الله الرحمن الرحيم
الرزق بيد الله
العقيدة الاسلامية هي الايمان وهو التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل ، كالايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر وهذه الاركان واضحة في اذهان المسلمين ، ولكن هناك افكار اخرى من العقيدة الاسلامية دخل عليها التشويش فلم تعد واضحة في الاذهان ، ومن هذه العقيدة عقيدة الرزق بيد الله ، فما هي هذه العقيدة ؟ وهل عمل الانسان سبب من اسباب الرزق ام حالة من حالاته ؟
اذا استعرضت الايات التي تحدثت عن الرزق تجد انها عبارة عن ثلاث مجموعات
المجموعة الاولى من الايات
قال تعالى ( لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ) 88 هود قال تعالى ( كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين ) 142 الانعام قال تعالى ( وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها واياكم وهو السميع العليم ) 60 العنكبوت قال تعالى ( ولا تقتلوا اولادكم خشية املاق نحن نرزقهم واياكم ) ) 31 الاسراء ،قال تعالى ( ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الارض ) 27 الشورى قال تعالى ( ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) 58 الذاريات
هذه الايات نسبت فعل الرزق الى الله سبحانه وتعالى وهذا ما يسمى بالاسناد الحقيقي، والاصل في الاسناد الحقيقة ولا ينتقل الى المجاز الا بقرينة ، ولا يوجد قرينة هنا .
المجموعة الثانية من الايات
قال تعالى ( ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم ) 5 النساء ، أي ادفعوا لهم طعاما ، قال تعالى ( واذا حضر القسمة اولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه ) 8 النساء ، أي اعطوهم من الميراث ، فهاتان الايتان تطلبان من المسلمين دفع الرزق لهم فقط ولم ينسب الرزق اليهم حقيقة ، وبهذا يتضح ان الرزق بيد الله سبحانه وتعالى .
المجموعة الثالثة من الايات
قال تعالى ( هو الذي جعل لكم الارض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ) 15 الملك قال تعالى ( فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله ) هاتان الايتان تتحدثان عن حكم شرعي وهو السعي في طلب الرزق ، اما الايات في المجموعتين السابقتين فتحدثت عن العقيدة ، أي الايمان بان الرزق بيد الله.
فهل العمل سبب من اسباب الرزق ؟ ام حالة من الحالات ؟
لو قيل بان العمل سبب من اسباب الرزق ، لحدث الرزق في كل عمل لان السبب ينتج المسبب عنه دائما لا يتخلف واذا تخلف مرة او اكثر لم يعد سببا ، والواقع يؤكد ان العمل لا يؤدي الى الرزق حتما ، فمرة يعمل الانسان ويرزق ومرة لا يرزق ، وقد يرزق بلا عمل ، فالعمل حالة من حالات الرزق وليس سببا للرزق ، الا ان السعي في طلب الرزق أي (العمل) واجب على الرجل البالغ العاقل ، اما المرأة والصغير والمجنون والمريض وامثالهم فلا سعي عليهم ، وانما يرزقون بطرق اخرى وهي الطرق التي جعلها الله سبحانه وتعالى طرقا مباحة للتملك وهي النفقة والميراث والهدية والصدقة والزكاة والركاز وحق الحياة، وتبقى هذه حالات وليست اسبابا.
واما سبب الرزق فهو الله سبحانه وتعالى، لهذا علمنا الله سبحانه وتعالى كيف نقوي صلتنا به ونتوكل عليه بان نتوجه اليه بالدعاء والاستغفار والتسبيح حتى يوقفنا اذا سعينا في طلب الرزق ويجعل حركتنا ذات جدوى.
قال تعالى ( استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم باموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا ) وقال عليه الصلاة والسلام ( من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ، ومن كل هم فرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب ) ، وقد كان صلى الله عليه وسلم يستغفر في اليوم والليلة اكثر من سبعين مرة ،اما سيد الاستغفار فهو ( اللهم انت ربي لا اله الا انت خلقتني وانا عبدك وانا على عهدك ووعدك ما استطعت ، اعوذ بك من شر ما صنعت ، ابوء لك بنعمتك علي وابوء بذنبي فاغفر لي فانه لا يغفر الذنوب الا انت)
وفيما يتعلق بالتسبيح قال عليه الصلاة والسلام ( آمرك بسبحان الله وبحمده فانها صلاة الخلق وتسبيح الخلق وبها يرزق الخلق ) وقال ايضا ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان وحبيبتان الى الرحمن ، سبحان الله وبحمده ) وكان يسبح بقوله ( سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته ).
اما الدعاء فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه كثير من الادعية منها قوله صلى الله عليه وسلم ( اللهم اكفني بحلالك عن حرامك واغنني بفضلك عمن سواك ) وقوله ( اللهم اني اعوذ بك من الهم والحزن واعوذ بك من العجز والكسل واعوذ بك من الجبن والبخل واعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال ) وقوله ( اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شيء قدير تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب يا رحمن الدنيا والاخرة ورحيمهما تعطي من تشاء منهما وتمنع من تشاء ، ارحمني رحمة تغنني بها عن رحمة من سواك) وقوله ( اللهم اجعل اوسع رزقك علي عند كبر سني وانقطاع عمري ).
كما ان العمل الصالح والبعد عن الكسب الحرام يوفق الساعي في طلب الرزق ، قال عليه السلام ( ان الله ليحرم العبد الرزق بالذنب يصيبه ).
ومن الاعمال الصالحة الزواج ، قال تعالى في سورة النور الاية 31 ( وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وامائكم ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ).
فشرط الزواج هو الخلق والدين عند الرجل والمرأة ، قال صلى الله عليه وسلم ( اذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، الا تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد كبير ) وقال صلى الله عليه وسلم ايضا ( تنكح المرأة لاربع لجمالها ومالها وحسبها ونسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ) وتقليل المهور لقوله عليه الصلاة والسلام ( اقلكن مهرا اكثركن بركة ) ……. وغير ذلك .
وبعد فلنتكل على الله ولا نخف في الله لومة لائم ولنقل الحق حيثما كنا ، لا نخاف على رزق يقطعه عنا مدير او وزير او صاحب عمل او حكومة ، لان الذي رزقنا قبل الوظيفة يرزقنا بعد فقدانها لو توكلنا على الله حين السعي في طلب الرزق ، قال صلى الله عليه وسلم
(لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتعود بطانا ) .